کد مطلب:211449 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:145

مجلس 02
الحمد لله مدبر الادوار و معید الاكوار

طبقا عن طبق و عالما بعد عالم لیجزی الذین اساؤا بما عملوا و یجزی الذین احسنوا بالحسنی عدلا منه تقدست اسماؤه و جلت آلاؤه لا یظلم الناس شیئا و لكن الناس انفسهم یظلمون یشهد بذلك قوله جل قدسه (فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره و من یعمل مثقال ذرة شرا یره فی نظائر لها فی كتابه الذی فیه تبیان كل شی ء و لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه تنزیل من حكیم حمید) و لذلك قال سیدنا محمد صلوات الله علیه و علی آله أنما هی اعمالكم ترد الیكم ثم اطرق هنیئة ثم قال یا مفضل الخلق حیاری عمهون سكاری فی طغیانهم یترددون و بشیاطینهم و طواغیتهم یقتدون بصراء عمی لا یبصرون نطقاء بكم لا یعقلون سمعاء صم لا یسمعون رضوا بالدون و حسبوا انهم مهتدون حادوا عن مدرجة الاكیاس و رتعوا فی مرعی الارجاس الانجاس كأنهم من مفاجآت الموت آمنون و عن المجازات مزحزحون یا ویلهم ما اشقاهم و اطول عناهم و اشد بلاهم یوم لا یغنی مولی عن مولی شیئا و لا هم ینصرون الا من رحم الله.

قال المفضل فبكیت لماسمعت منه فقال لاتبك تخلصت اذ قبلت و نجوت اذ عرفت ثم قال أبتدی لك بذكر الحیوان لیتضح لك من امره ما وضح لك من غیره فكر فی ابنیة ابدان الحیوان و تهیئتها علی ما هی علیه فلاهی صلاب كالحجارة ولو كانت كذلك لا تنثنی و لا تتصرف فی الاعمال و لا هی علی غایة اللین و الرخاوة فكانت لا تتحامل و لا تستقل بانفسها فجعلت من لحم رخوینثنی تتداخله عظام صلاب یمسكه عصب و عروق تشده و تضم بعضه الی بعض و غلفت فوق ذلك بجلد یشتمل علی البدن كله و اشباه ذلك هذة التماثیل التی تعمل من العیدان و تلف بالخرق و تشد بالخیوط و تطلی فوق ذلك بالصمغ فتكون العیدان بمنزلة العظام و الخرق بمنزلة اللحم و الخیوط بمنزلة العصب و العروق و الطلاء بمنزلة الجلد فان جازان یكون الحیوان المتحرك حدث بالاهمال من غیر صانع جازان یكون ذلك فی هذه التماثیل المیتة فان كان هذا غیر جائز فی التماثیل فبالحری ان لا یجوز فی الحیوان.



[ صفحه 312]



و فكر یا مفضل بعد هذا فی اجساد الانعام فانها حین خلقت علی ابدان الانس من اللحم و العظم و العصب اعطیت ایضا السمع و البصر لیبلغ الانسان حاجته فانها لو كانت عمیا صما لما انتفع بها الانسان و لا تصرفت فی شی ء من مآربه ثم منعت الذهن و العقل لتذل للانسان فلا تمتنع علیه اذا كدها الكد الشدید و حملها الحمل الثقیل فان قال قائل انه قد یكون للانسان عبید من الانس یذلون و یذعنون بالكد الشدید و هم مع ذلك غیر عدیمی العقل و الذهن فیقال فی جواب ذلك ان هذا الصنف من الناس قلیل فاما اكثر الناس فلا یذعنون بما نذعن به الدواب من الحمل و الطحن و ما اشبه ذلك و لا یقرون بما یحتاج الیه منه ثم لو كان الناس یزولون مثل هذه الاعمال بابدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الاعمال لانه كان یحتاج مكان الجمل الواحد و البغل الواحد الی عدة اناسی فكان هذا العمل یستفرغ الناس حتی لا یكون فیهم عنه فضل لشی ء من الصناعات مع ما یلحقه من التعب الفادح فی ابدانهم و الضیق و الكد فی معاشهم.

فكر یا مفضل فی هذه الاصناف الثلاثة من الحیوان و فی خلقها علی ما هی علیه مما فیه صلاح كل واحد منها فالانس لما قدروا ان یكونوا ذوی ذهن و فطنة و علاج لمثل هذه الصناعات من البناء و التجارة و الصیاغة و الخیاطة و غیر ذلك خلقت لهم اكف كبار ذوات اصابع غلاظ لیتمكنوا من القبض علی الاشیاء و أوكدها هذه الصناعات و آكلات اللحم لما قدر ان یكون معایشها من الصید خلقت لهم اكف لطاف مدمجة ذوات براثن و مخالیب تصلح لاخذ الصید و لا تصلح للصناعات و آكلات النبات لما قدر ان یكونوا، لا ذوات صنعة و لا ذات صید خلقت لبعضها اضلاف تقیها خشونة الارض اذا حاولت طلب المرعی و لبعضها حوافر ململمة ذوات قعر كاخمص القدم تنطبق علی الارض عند تهیئها للركوب و الحمولة تأمل التدبیر فی خلق آكلات اللحم من الحیوان حین خلقت ذوات اسنان حداد و براثن شداد و اشداق و افواه واسعة فانه لما قدر ان یكون طعمها اللحم خلقت خلقة تشاكل ذلك و اعینت بسلاح و ادوات تصلح للصید و كذلك تجد سباع الطیر ذوات مناقیر و مخالیب مهیأة لفعلها ولو كانت الوحوش ذوات مخالب كانت قد اعطیت مالا تحتاج الیه اعنی السلاح الذی تصید به و تتعیش افلا تری كیف اعطی كل واحد من الصنفین ما یشاكل صنفه و طبقته بل مافیه بقاؤه و صلاحه انظر الآن الی ذوات الاربع كیف تراها تتبع امهاتها مستقلة بانفسها لا تحتاج الی



[ صفحه 313]



الحمل و التربیة كما تحتاج اولاد الانس فمن اجل أنه لیس عند امهاتها ما عند امهات البشر من الرفق و العلم بالتربیة و القوة علیها بالاكف و الاصابع المهیاة لذلك اعطیت النهوض و الاستقلال بانفسها و كذلك تری كثیرا من الطیر كمثل الدجاج و الدراج و القبج تدرج و تلقط حین تنقاب عنها البیضة فاما ما كان منها ضعیفا لا نهوض فیه كمثل فراخ الحمام و الیمام و الحمر فقد جعل فی الامهات فضل عطف علیها فصارت تمج الطعام فی افواهها بعد ما توعیه حواصلها فلا تزال تغذوها حتی تستقل بانفسها و لذلك لم ترزق الحمام فراخا كثیرة مثل ما ترزق الدجاج لتقوی الام علی تربیة فراخها فلا تفسد و لا تموت فكلا اعطی بقسط من تدبیر الحكیم اللطیف الخبیر انظر الی قوایم الحیوان كیف تأتی ازواجا لتتهیأ للمشی ولو كانت افرادا لم تصلح لذلك لان الماشی ینقل قوائمه یعتمد علی بعض فذو القائمتین ینقل واحدة و یعتمد علی واحدة و ذو الاربع ینقل اثنتین و یعتمد علی اثنتین و ذلك من خلاف لان ذا الاربع لو كان ینقل قائمتین من احد جانبیه و یعتمد علی قائمتین من الجانب الاخر لم یثبت علی الارض كما یثبت السریر و ما اشبهه فصار ینقل الیمنی من مقادیمه مع الیسری من مآخیره و ینتقل الاخریین ایضا من خلاف فیثبت علی الارض و لا یسقط اذا مشی اما تری الحمار كیف یذل للطحن و الحمولة و هو یری الفرس مودعا منعما و البعیر لا یطیقه عدة رجال لو استعصی كیف كان ینقاد للصی و الثور الشدید كیف كان یذعن لصاحبه حتی یضع النیر علی عنقه و یحرث بدو الفرس الكریم یركب السیوف و الاسنة بالمواتاة لفارسه و القطیع من الغنم یرعاه واحد ولو تفرقت الغنم فاخذ كل واحد منها فی ناحیة لم یلحقها و كذلك جمیع الاصناف المسخرة للانسان فبم كانت كذلك الا بانها عدمت العقل و الرویة فانها لو كانت تعقل و تتروی فی الامور كانت خلیقة ان تلتوی علی الانسان فی كثیر من مآربه حتی یمتنع الجمل علی قائده و الثور علی صاحبه و تتفرق الغنم عن راعیها و اشباه هذا من الامور و كذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل و رویة فتوازرت علی الناس كانت خلیقة ان تجتاجهم فمن كان یقوم للاسد و الذئاب و النمور و الدیبة لو تعاونت و تظاهرت علی الناس افلا تری كیف حجر ذلك علیها و صارت مكان ما كان یخاف من اقدامها و نكایتها تهاب مساكن الناس و تحجم عنها ثم لا تظهر و لا تنتشر لطلب قوتها الا باللیل فهی مع صولتها كالخائف من الانس بل مقموعه ممنوعة منهم ولو كان ذلك لساورتهم فی مساكنهم و ضیقت علیهم ثم جعل فی الكلب من بین هذه السباع عطف علی مالكه و محاماة عنه و حافظ له ینتقل علی الحیطان و السطوح فی ظلمة اللیل لحراسة



[ صفحه 314]



منزل صاحبه و ذب الذعار عنه و یبلغ من محبته لصاحبه ان یبذل نفسه للموت دونه و دون ماشیته و ماله و یألفه غایة الالف حتی یصبر معه علی الجوع و الجفوة فلم طبع الكلب علی هذه الالفة و المحبة الا لیكون حارسا للانسان له عین بانیاب و مخالیب و نباح هائل لیذعر منه السارق و یتجنب المواضع التی یحمیها و یخفرها یا مفضل تأمل وجه الدابة كیف هو فانك تری العینین شاخصتین امامها لتبصر ما بین یدیها لئلا تصدم حائطا أو تتردی فی حفرة و تری الفم مشقوقا شقا فی اسفل الخطم ولو شق كمكان الفم من الانسان فی مقدم الذقن بما استطاع ان یتناول به شیئا من الارض الاترین ان الانسان لا یتناول الطعام بفیه و لكن بیده تكرمة له علی سائر الآكلات فلما لم یكن للدابة ید تتناول بها العلف جعل خرطومها مشقوقا من اسفله لتقبض علی العلف ثم تقظمه و اعینت بالحجفلة لتتناول بها ما قرب و ما بعد اعتبر بذنبها و المنفعة لها فیه فانه بمنزلة الطبق علی الدبر و الحیاء جمیعا یواریهما و یسترهما و من منافعها فیه ان ما بین الدبر و مراقی البطن منها و ضر یجتمع علیها الذباب و البعوض فجعل لها الذنب كالمذبة تدب بها عن تلك المواضع و منها ان الدابة تستریح الی تحریكه و تصریفه یمنة و یسرة فانه لما كان قیامها علی الاربع باسرها و شغلت المقدمتان بحمل البدن عن التصرف و التقلب كان لها فی تحریك الذنب راحة و فیه منافع اخری یقصر عنها الوهم فیعرف موقعها فی وقت الحاجة الیها فمن ذلك ان الدابة ترتطم فی الوحل فلا یكون شی ء اعون علی نهوضها من الاخذ بذنبها و فی شعر الذنب منافع للناس كثیرة یستعملونها فی مآربهم ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا علی قوائم اربع لیتمكن من ركوبها و جعل حیاها بارزا من ورائها لیتمكن الفحل من ضربها ولو كان اسفل البطن كما كان الفرج من المرة لم یتمكن الفحل منها الا تری انه لا یستطیع ان یأتیها كفاحا كما یأتی الرجل المرأة تأمل مشفر الفیل و ما فیه من لطیف التدبیر فانه یقوم مقام الیدفی تناول العلف و الماء و ازدرادهما الی جوفه و لولا ذلك لما استطاع ان یتناول شیئا من الارض لانه لیست له رقبة یمدها كسائر الانعام فلما عدم العنق اعین مكان ذلك بالخرطوم الطویل لیسدله فیتناول به حاجته فمن ذا الذی عوضه مكان العضو الذی عدم ما یقوم مقامه الا الرؤف بخلقه و كیف یكون هذا بالاهمال كما قالت الظلمة فان قال قائل فما باله لم یخلق ذا عنق كسائر الانعام قیل له ان رأس الفیل و اذنیه امر عظیم و ثقل ثقیل فلو كان ذلك علی عنق عظیم لهدها و اوهنها فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكیلا یناله منه ما وصفناه و خلق له مكان العنق هذا المشفر لیتناول به غذاءه فصار مع عدم العنق مستوفیا ما فیه بلوغ حاجته انظر الآن كیف جعل حیاء الانثی من الفیلة فی اسفل بطنها



[ صفحه 315]



فاذا هاجت للضراب ارتفع و برز حتی یتمكن الفحل من ضربها فاعتبر كیف جعل حیاء الانثی من الفیله علی خلاف ما علیه فی غیرها من الانعام ثم جعلت فیه هذه الخلة لیتهیأ للامر الذی فیه قوام النسل و دوامه فكر فی خلق الزرافة و اختلاف اعضائها و شبهها باعضاء اصناف من الحیوان فرأسها رأس فرس و عنقها عنق جمل و اظلافها اظلاف بقرة و جلدها جلد نمر و زعم ناس من الجهال بالله عزوجل ان نتاجها من فحول شتی قالوا و سبب ذلك ان أصنافا من حیوان البر اذا وردت الماء تنز و علی بعض السائمة و ینتج مثل هذا الشخص الذی هو كالملتقط من اصناف شتی و هذا جهل من قائله و قلة معرفة بالباری جل قدسه و لیس كل صنف من الحیوان یلقح كل صنف فلا الفرس یلقح الجمل و لا لجمل یلقح البقر و انما یكون التلقیح من بعض الحیوان فیما یشاكله و یقرب من خلقه كما یلقح الفرس الحمار فیخرج بینهما البغل و یلقح الذئب الضبع فیخرج من بینهما السبع علی انه لیس یكون فی الذی یخرج من بینهما عضو كل واحد منهما كما فی الزرافة عضو من الفرس و عضو من الجمل و اظلاف من البقرة بل یكون كالمتوسط بینهما المتزج منهما كالذی تراه فی البغل فانك تری رأسه و اذنبه و كفله و ذنبه و حوافره وسطا بین هذه الاعضاء من الفرس و الحمار و شحیجه كالمتزج من صهیل الفرس و نهیق الحمار فهذا دلیل علی انه لیس الزرافة من لقاح اصناف شتی من الحیوان كما زعم الجاهلون بل هی خلق عجیب من خلق الله للدلالة علی قدرته التی لا یعجزها شی ء و لیعلم انه خالق اصناف الحیوان كلها یجمع بین ما یشاء من اعضائها فی ایها شاء و یفرق ما شاء منها فی ایهاء و یزید فی الخلقة ما شاء و ینقص منها ما شاء دلالة علی قدرته علی الاشیاء و انه لا یعجزه شی ء اراده جعل و تعالی فاما طول عنقها و المنفعة لها فی ذلك فان منشأها و مرعاها فی غیاطل ذوات اشجار شاهقة ذاهبة طولا فی الهواء فهی تحتاج الی طول العنق لتتناول بفیها اطراف تلك الاشجار فتقوت من ثمارها تأمل خلقة القرد و شبهه بالانسان فی كثیر من اعضائه اعنی الرأس و الوجه و المنكبین و الصدر و كذلك احشاؤه شبیهة ایضا باحشاء الانسان و خص مع ذلك بالذهن و الفطنة التی بها یفهم عن سائسه ما یؤمی الیه و یحكی كثیرا مما یری الانسان یفعله حتی انه یقرب من خلق الانسان و شمایله فی التدبیر فی خلقته علی ما هی علیه ان یكون عبرة للانسان فی نفسه فیعلم انه من طینة البهائم و سنخها اذ كان یقرب من خلقها هذا القرب و انه لولا فضیلة فضله بها فی الذهن و العقل و النطق كان كبعض البهائم علی ان فی جسم القرد فضولا اخری تفرق بینه و بین الانسان كالخطم و الذنب المسدل



[ صفحه 316]



و الشعر المجلل للجسم كله و هذا لم یكن مانعا للقرد ان یلحق بالانسان لو اعطی مثل ذهن الانسان و عقله و نطقه و الفصل الفاصل بینه و بین الانسان بالحقیقة هو النقص فی العقل و الذهن و النطق.

انظر یا مفضل الی لطف الله جل اسمه بالبهائم كیف كسیت اجسامها هذه الكسوة من الشعر و الوبر و الصوف لتقیها من البرد و كثیرة الافات و البست الاظلاف و الحوافر و الاخفاف لتقیها من الحفا اذ كانت لا ایدی لها و لا اكف و لا اصابع مهیأة للغزل و النسج فكفوا بأن جعل كسوتهم فی خلقهم باقیة علیهم ما بقوا لا یحتاجون الی تجدیدها و الاستبدال بها فاما الانسان فانه ذو حیلة و كف مهیأة للعمل فهو ینسج و یغزل و یتخذ لنفسه الكسوة و یستبدل بها حالا بعد حال و له فی ذلك صلاح من جهات من ذلك انه یشتغل بصنعة اللباس عن البعث و ما تخرجه الیه الكفایة و منها انه یستریح الی خلع كسوته اذا شاء و لبسها اذا شاء و منها ان یتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال و روعة فیتلذذ بلبسها و تبدیلها و كذلك یتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف و النعال یقی بها قدمیه و فی ذلك معایش لمن یعمله من الناس و مكاسب یكون فیها معایشهم و منها اقواتهم و اقوات عیالهم فصار الشعر و الوبر و الصوف یقوم للبهائم مقام الكسوة و الاظلاف و الحوافر و الاخفاف مقام الحذاء.

فكر یا مفضل فی خلقة عجیبة جعلت فی البهائم فانهم یوارون انفسهم اذا ماتوا كما یواری الناس موتاهم و الا فاین جیف هذه الوحوش و السباع و غیرها لا یری منها شی ء و لیست قلیلة فتخفی لقلتها بل لو قال قائل انها اكثر من الناس لصدق فاعتبر فی ذلك بما تراه فی الصحاری و الجبال من اسراب الضباء و المها و الحمیر الوحش و الوعول و الایایل و غیر ذلك من الوحوش و اصناف السباع من الاسد و الضباع و الذیاب النمور و غیرها و ضروب الهوام و الحشرات و دواب الارض و كذلك اسراب الطیر من القربان و القطا و الاوز و الكراكی و الحمام و سباع الطیر جمیعا و كلها لا یری منها اذا ماتت الا الواحد بعد الواحد یصیده قانص او یفترسه سبع فاذا احسوا بالموت كمنوا فی مواضع خفیة فیموتون فیها و لولا ذلك لامتلات الصحاری منها حتی تفسد رائحة الهواء و تحدث الامراض و الوباء فانظر الی هذا الذی یخلص الیه الناس و عملوه بالتمثیل الاول الذی مثل لهم كیف جعل طبعا و ادكارا فی البهائم و غیرها لیسلم الناس من معرة ما یحدث علیهم من الامراض و الفساد.

فكر یا مفضل فی الفطن التی جعلت فی البهائم لمصلحتها بالطبع و الخلقة لطفا من



[ صفحه 317]



الله عزوجل لهم لئلا یخلو من نعمه جل و عز احد من خلقه لا بعقل و رویة فان الایل یأكل الحیات فیعطش عطشا شدیدا فیمتنع من شرب الماء خوفا من ان یدب السم فی جسمه فیقتله ویقف علی الغدیر و هو مجهود عطشا فیعج عجیجا عالیا و لا یشرب منه ولو شرب لمات من ساعته، فانظر الی ما جعل من طباع هذه المهیمة فی تحمل الظمأ لغالب الشدید خوفا من المضرة فی الشرب و ذلك مما لا یكاد الانسان العاقل الممیز یضبطه من نفسه و الثعلب اذا اعوزه الطعم تماوت و نفخ بطنه حتی یحسبه الطیر میتا فاذا وقعت علیه لتنهشه وثب علیها فاخذها فمن اعان الثعلب العدیم النطق و الرویة بهذه الحیلة الامن توكل بتوجیه الرزق له من هذا و شبهه فانه لما كان الثعلب یضعف عن كثیر مما تقوی علیه السباع من مساورة الصید اعین بالدهاء و الفطنة و الاحتیال لمعاشة و الدلفین یلتمس صید الطیر فیكون حیلته فی ذلك ان یأخذ السمك فیقتله و یشرحه حتی یطفو علی الماء ثم یكمن تحته و یثور الماء الذی علیه حتی لا یتبین شخصه فاذا وقع الطیر علی السمك الطافی وثب الیها فاصطادها فانظر الی هذه الحیلة كیف جعلت طبعا هذه البهیمة لبعض المصلحة.

قال المفضل فقلت اخبرنی یا مولای عن التنین و السحاب فقال علیه السلام ان السحاب كالموكل به یختطفه حیماثقفه كما یختطف حجر المغناطیس الحدید فهو لا یطلع رأسه فی الارض خوفا من السحاب و لا یخرج الا فی القیظ مرة اذا صحت السماء فلم یكن فیها نكتة من غیمة قلت فلم و كل الحساب بالتنین یرصده و یختطفه اذا وجده قال لیدفع عن الناس مضرته.

قال المفضل فقلت قد وصفت لی یا مولای من امر البهائم مافیه معتبر لمن اعتبر فصف لی الذرة و النملة و الطیر فقال علیه السلام یا مفضل تأمل وجه الذرة الحقیرة الصغیرة هل تجد فیها نقصا عما فیه صلاحها فمن این هذا التقذیر و الصواب فی خلق الذرة الا من التدبیر القائم فی صغیر الخلق و كبیره انظر الی زالنمل و احتشاده فی جمع القوت و اعداده فانك تری الجماعة منها اذا نقلت الحب الی بیتها بمنزلة جماعة من الناس ینقلون الطعام او غیر بل للنمل فی ذلك من الجد و التشمیر ما لیس للناس مثله اما تراهم یتعاونون علی النقل كما یتعاون الناس علی العمل ثم یعمدون الی الحب فیقطعون قطعا لكیلا ینبت فیفسد علیهم فان اصابه ندی اخرجوه فنشروه حتی یجف ثم لا یتخذ النمل الزبیة الا فی نشر من الارض كیلا یفیض السیل فیغرقها و كل هذا منه بلا عقل و لا رویة بل خلقة خلق علیها المصلحة



[ صفحه 318]



من الله جل و عز انظر الی هذا الذی یقال له اللیث و تسمیه العامة اسد الذباب و ما اعطی من الحیلة و الرفق فی معاشه فانك تراه حین یحس بالذباب قد وقع قریبا منه تركه ملیا حتی كانه موات لا حراك به فاذا رأی الذباب قد اطمأن و غفل عنه دب دبیبا دقیقا حتی یكون منه بحیث تناله و ثبته ثم یثب علیه فیأخذه فاذا اخذه اشتمل علیه بجسمه كله مخافة ان ینجو منه فلا یزال قابضا علیه حتی یحس بانه قد ضعف و استرخی ثم یقبل علیه فیفترسه ویحی بذلك منه فاما العنكبوت فانه ینسج ذالك النسج فیتخذه شركا و مصیدة للذباب ثم یتمكن فی جوفه فاذا نشب فیه الذباب احال علیه یلدغه ساعة بعد ساعة فیعیش بذلك منه فذلك یحكی صید الكلاب و الفهود و هذا یحكی صید الاشراك و الحبائل فانظر الی هذه الدویبة الضعیفة كیف جعل فی طبعها مالا یبلغه الانسان الا بالحیلة و استعمال الآلات فیها فلا تزدری بالشی ء اذا كانت العبرة فیه واضحة كالذرة و النملة و ما اشبه ذلك فان المعنی النفیس قد یمثل بالشی ء الحقیر فلا یضع منه ذلك كما لا یضع من الدینار و هو من ذهب ان یوزن بمثقال من حدید.

تأمل یا مفضل جسم الطائر و خلقته فانه حین قدر ان یكون طائرا فی الجو خفف جسمه و ادمج خلقه و اقتصر به من القوایم الاربع علی اثنتین و من الاصابع الخمس علی اربع و من منفذین للزبل و البول علی واحد بجمعهما ثم خلق ذا جؤجؤ محدد لیسهل علیه ان یخرق الهواء كیف ما اخذ فیه كما جعلت السفینه بهذه الهیئة لتشق الماء و تنفذ فیه و جعل فی جناجیه و ذنبه ریشات طوال متان لینهض بها للطیران و كسی كله الریش لیتداخله الهواء فیقله و لما قدران یكون طعمه الحب و اللحم یبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقة الانسان و خلق له منقار صلب جاسی یتناول به طعمه فلا ینسحج من لقط الحب و لا ینقصف من نهش اللحم و لما عدم الاسنان و صاریز درد الحب صحیحا و اللحم غریضا اعین بفضل حرارة فی الجوف تطحن له الطعم طحنا یستغنی به عن المضغ و اعتبر ذلك بان عجم العنب و غیره یخرج من اجواف الانس صحیحا و یطحن فی اجواف الطیر لا یری له اثر ثم جعل مما یبیض بیضا و لا یلد ولادة لكیلا یثقل عن الطیران فانه لو كانت الفراخ فی جوفه تمكث حتی تستحكم لا ثقلته و عاقته عن النهوض و الطیران فجعل كل شی ء من خلقه مشاكلا للامر الذی قدران یكون علیه ثم صار الطائر السائح فی هذا الجو یقعد علی بیضه فیحضنه اسبوعا و بعضها اسبوعین و بعضها ثلاثة اسابیع حتی یخرج الفرخ من البیضة ثم یقبل علیه فیزقه الریح لتتسع



[ صفحه 319]



حوصلته للغذاء ثم یربیه و یغذیه بما یعیش به فمن كلفه ان یلقط الطعم و الحب یستخرجه بعد ان یستقر فی حوصلته و یغذبه فراخه و لای معنی یحتمل هذه المشقة و لیس بذی رویة و لا تفكر و لا یعمل فی فراخه ما یؤمل الانسان فی ولده من العز و الرفد و بقاء الذكر فهذا من فعله یشهد انه معطوف علی فراخه لعلة لا یعرفها و لا یفكر فیها و هی دوام النسل و بقاء لطفا من الله تعالی ذكره انظر الی الدجاجة كیف تهیج لحضن البیض و التفریخ و لیس لها بیض مجتمع و لا و كرمو طی بل تنبعث و تنتفخ و تقوا و تمتنع من الطعم حتی یجمع لها البیض فتحضنه و تفرخ فلم كان ذلك منها الا لاقامة النسل و من اخذها باقامة النسل و لا رویة لها و لا تفكیر لولا انها مجبولة علی ذلك اعتبر بخلق البیضة و ما فیها من المح الاصفر الخاثر و الماء الابیض الرقیق فبعضه ینشو منه الفرخ و بعضه لیغتذی به الی ان تنقاب عنه البیضة و ما فی ذلك من التدبیر فانه لو كان نشو الفرخ فی تلك القشرة المستحفظة التی لا مساغ لشی ء الیها جعل معه فی جوفها من الغذاء ما یكتفی به الی وقت خروجه منها كمن یحبس فی حبس حصین لا یوصل الی من فیه فیجعل معه من القوت ما یكتفی به الی وقت خروجه منه.

فكر یا مفضل فی حوصلة الطائر و ما قدر له فان مسلك الطعم الی القانصة ضیق لا ینقذ فیه الطعام الا قلیلا قلیلا فلو كان الطائر لا یلقط حبة ثانیة حتی تصل الاولی الی القانصة لطال علیه متی كان یستوفی طعمه فانما یختلسه اختلاسا لشدة الحذر فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة امامه لیوعی فیها ما ادرك من الطعم بسرعة ثم تنفذه الی القانصة علی مهل و فی الحوصلة ایضا خلة اخری فان من الطائر ما یحتاج الی ان یزق فراخه فیكون رده للطعم من قرب اسهل علیه.

قال المفضل فقلت ان قوما من المعطلة یزعمون ان اختلاف الالوان و لا اشكال فی الطیر انما یكون من قبل أمتزاج الاخلاط، و اختلاف مقادیرها بالمزج و الاهمال.

قال یا مفضل هذا الوشی الذی تراه فی الطواویس و الدراج و التدارج علی استواء و مقابلة كنحو ما یخط بالاقلام كیف یأتی به الامتزاج المهمل علی شكل واحد لا یختلف ولو كان بالاهمال لعدم الاستواء و لكان مختلفا تأمل ریش الطیر كیف هو فانك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك دقاق قد ألف بعضه الی بعض كتألیف الخیط الی الخیط و الشعرة الی الشعرة ثم تری ذالك النسج اذا مددته ینفتح قلیلا و لا ینشق لتداخله الریح فیقل الطائر اذا طار و تری فی وسط الریشة عمودا غلیظا متینا قد نسج علیه الذی هو مثل الشعر لیمسكه



[ صفحه 320]



بصلابته و هو القصبة التی فی وسط الریشة و هو مع ذلك اجوف لیخف علی الطائر و لا یعوقه عن الطیران.

هل رأیت یا مفضل هذا الطائر الطویل الساقین و عرفت ما له من المنفعة فی طول ساقیه فانه اكثر ذلك فی صحضاح من الماء فتراه بساقین طویلین كانه ربیئة فوق مرقب و هو یتأمل ما یدب فی الماء فاذا رأی شیئا مما یتقوت به خطا خطوات رقیقا حتی یتناوله ولو كان قصیر الساقین و كان یخطو نحو الصید لیأخذ یصیب بطنه الماء فیثور و یذعر منه فیتفرق عنه فخلق له ذلك العمودان لیدرك بهما حاجته و لا یفسد علیه مطلبه تأمل ضروب التدبیر فی خلق الطائر فانك تجد كل طائر طویل الساقین طویل العنق و ذلك لیتمكن من تناول طعمه من الارض ولو كان طویل الساقین قصیر العنق لما استطاع ان یتناول شیئا من الارض و ربما اعین مع طول العنق بطول المناقیر لیزداد الامر علیه سهولة له و امكانا افلا تری انك لا تتش شیئا من الخلقة الا وجدته علی غایة الصواب و الحكمة انظر الی العصافیر كیف تطلب اكلها بالنهار فهی لا تفقده و لا تجده مجموعا معدا بل تناله بالحركة و الطلب و كذلك الخلق كله فسبحان من قدر الرزق كیف فرقه فلم یجعل مما لا یقدر علیه اذ جعل بالخلق حاجة الیه و لم یجعل مبذولا ینال بالهوینی اذ كان لاصلاح فی ذلك فان لو كان یوجد مجموعا معدا كانت البهائم تتقلب علیه و لا تنقلع عنه حتی تبشم فتهلك و كان الناس ایضا یصیرون بالفراغ الی غایة الاشروا البطط حتی یكثر الفساد و تظهر الفواحش اعلمت ما طعم هذه الاصناف من الطیر التی لا تخرج الا باللیل كمثل البوم و الهام و الخفاش قلت لا یا مولای قال ان معاشها من ضروب تنتشر فی الجو من البعوض و الفراش و اشباه الجراد و الیعاسیب و ذلك ان هذه الضروب مبثوثة فی الجو لا یخلو منها موضع و اعتبر ذلك بانك اذا وضعت سرجا باللیل فی سطح او عرصة دار اجتمع علیه من هذه الضروب شی ء كثیر فمن این یأتی ذلك كله الامن القرب فان قال قائل أنه یأتی من الصحاری و البراری قیل له كیف یوافی تلك الساعة من موضع بعید و كیف یبصر من ذلك البعد سراجا فی دار محفوفة بالدور فیقصد الیه مع ان هذه عیانا تتهافت علی السراج من قرب فیدل ذلك علی أنها منتشرة فی كل موضع من الجو فهذه الاصناف من الطیر تلتمسها اذا خرجت فتتقوت بها فانظر كیف وحه الرزق لهذه الطیور التی لا تخرج الا باللیل من هذه الضروب المنتشرة فی الجو و اعرف ذلك المعنی فی خلق هذه الضروب المنتشرة التی عسی ان یظن ظان انها فضل لا معنی له خلق الخفاش خلقة عجیبة بین خلقة الطیر و ذوات الاربع هو الی ذوات الاربع اقرب



[ صفحه 321]



و ذلك انه ذو اذنین ناشزتین و اسنان و وبر و هو یلد ولاد أو یرضع و یبول و یمشی اذا مشی علی اربع و كل هذا خلاف صفة الطیر، ثم هو ایضا مما یخرج باللیل و یتقوت بما یسری فی الجو من الفراش و ما اشبهه و قد قال قائلون انه لا طعم للخفاش و ان غذاء من النسیم وحده و ذلك یفسد و یبطل من جهتین احدهما خروج الثفل و البول منه فان هذا لا یكون من غیر طعم و الاخری انه ذو اسنان ولو كان لا یطعم شیئا لم یكن للاسنان فیه معنی و لیس فی الخلقة شی ء لا معنی له و اما المآرب فیه فمعروفة حتی ان زبله یدخل فی بعض الاعمال و من اعظم الارب فیه خلقته العجیبة الدالة علی قدرة الخالق جل ثناؤه و تصرفها فیما شاء كیف شاء لضرب من المصلحة فاما الطائر الصغیر الذی یقال له ابوتمره فقد عشش فی بعض الاوقات فی بعض الشجر فنظر الی حیة عظیمة قد اقبلت نحو عشه فاغرة فاها تبغیه لتبتلعه فبینما هو یتقلب و یضطرب فی طلب حیلة منها اذ وجد حسكة فحملها فالقاها فی فم الحیة فلم تزل الحیة تلتوی و تتقلب حتی ماتت افرأیت لولم اخبرك بذلك كان یخطر ببالك او ببال غیرك انه یكون من حسكة مثل هذه المنفعة او یكون من طائر صغیر او كبیر مثل هذه الحیلة اعتبر بهذا و كثیر من الاشیاء یكون فیها منافع لا تعرف الا بحادث یحدث او خبر یسمع به. انظر الی النحل و احتشاده فی صنعة العسل و تهیأة البیوت المسدسة و ما تری فی ذلك من دقائق الفطنة فانك اذا تأملت العمل رأیته عجیبا لطیفا و اذا رأیت المعمول وجدته عظیما شریفا موقعه من الناس و اذا رجعت الی الفاعل الفیته غبیا جاهلا بنفسه فضلا عما سوی ذلك ففی هذا اوضح الدلالة علی ان الصواب و الحكمة فی هذه الصنعة لیس للنحل بل هی للذی طبعه علیها و سخره فیها لمصلحة الناس. انظر الی هذا الجراد ما اضعفه و اقواه فانك اذا تأملت خلقه رأیته كاضعف الاشیاء و ان دلفت عساكره نحو بلد من البلدان لم یستطع احدان یحمیه منه الا تری ان ملكا من ملوك الارض لو جمع خیله و رجله لیحمی بلاده من الجراد لم یقدر علی ذلك افلیس من الدلائل علی قدرة الخالق ان یبعث اضعف خلقه الی اقوی خلقه فلا یستطیع دفعه. انظر الیه كیف ینساب علی وجه الارض مثل السیل فیغشی السهل و الجبل و البدو و الحضر حتی یستر نور الشمس بكثرته فلو كان هذا مما یصنع بالایدی متی كان تجتمع منه هذه الكثیرة و فی كم سنة كان یرتفع فاستدل بذلك علی القدرة التی لا یؤدها شی ء و لا یكثر علیها تأمل خلق السمك و مشاكلته للامر الذی قدر ان یكون علیه فانه خلق غیر ذی قوائم لانه لا یحتاج الی المشی اذ كان مسكنه الماء و خلق غیر ذی ریة لانه لا یستطیع



[ صفحه 322]



ان یتنفس و هو منغمس فی اللجة و جعلت له مكان القوائم اجنحة شداد یضرب بها فی جانبیه كما یضرب الملاح بالمجادیف من جانبی السفینة و كسی جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع و الجواشن لتقیه من الآفات فأعین بفضل حس فی الشم لان بصره ضعیف و الماء یحجبه فصار یشم الطعم من البعد البعید فینتجعه فیتبعه و الا فكیف یعلم به و بموضعه و اعلم ان من فیه الی صماخیه منافذ فهو یعب الماء بفیه و یرسله من صماخیه فیتروح الی ذلك كما یتروح غیره من الحیوان الی تنسم هذا النسیم، فكر الآن فی كثرة نسله و ما خص به من ذلك فانك تری فی جوف السمكة الواحدة من البیض مالا یحصی كثرة و العلة فی ذلك ان یتسع لما یغتذی به من اصناف الحیوان فان اكثرها یأكل السمك حتی ان السباع ایضا فی حافات الاجام عاكفة علی الماء ایضا كی ترصد السمك فاذا مربها خطفته فلما كانت السباع تأكل السمك و الطیر یأكل السمك و الناس یأكلون السمك و السمك یأكل السمك كان من التدبیر فیه ان یكون علی ما هو علیه من الكثرة فاذا اردت ان تعرف سعة حكمة الخالق و قصر علم المخلوقین فانظر الی ما فی البحار من ضروب السمك و دواب الماء و الاصداف و الاصناف التی لا تحصی و لا تعرف منافعها الا الشی ء بعد الشی ء یدركه الناس باسباب تحدث مثل القرمز فانه لما عرف الناس صبغه بان كلبة تحول علی شاطی ء البحر فوجدت شیئا من الصنف الذی یسمی الحلزون فاكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس الی حسنه فاتخذوه صبغا و اشباه هذا مما یقف الناس علیه حالا بعد حال و زمانا بعد زمان.